أول مصوِّر في مكة

يُعَدّ عبدالغفار البغدادي المكي (توفي عام 1320هـ/1902م) أول مصوِّر معروف من مكة المكرمة، وأول من وثّق مشاهد مصوَّرة من البلد الأمين. التقط عبدالغفار بين عامي 1303 و1306هـ/1886 و1889م أكثر من 250 صورة، موثِّقاً المعالم المقدَّسة في مكة وسكانها وحجاج بيت الله الحرام. وكان عبدالغفار متعدّد المواهب، فإلى جانب مهارته في التصوير، كان طبيب أسنان وساعاتياً وصائغاً، كما برع في طب العيون وأجرى عمليات جراحية معقَّدة. 

تتألَّف المجموعة المتبقِّية من أعمال عبدالغفار الفوتوغرافية من الصور التي أرسلها إلى المستشرق الهولندي والمصوِّر والضابط الاستعماري سنوك هرخرونيه. وقد نُشر بعض صور عبدالغفار إلى جانب صور سنوك في إصدارين، هما «أطلس صور مكة» (1305هـ/1888م) و«صور من مكة» (1306هـ/1889م).

التقى سنوك بعبدالغفار عند وصوله إلى مكة في ربيع الآخر 1302هـ/فبراير 1885م، وكان عبدالغفار حينها يدير استوديو تصوير خاصّاً به، كما أبدى اهتماماً بتقنيات التصوير الجديدة التي يمكن أن يتعلَّمها من سنوك. ومع أن العلاقة بدت مثمرة في بدايتها، إلا أنها تحوَّلت لاحقاً إلى استغلال، حيث أقنع سنوك عبدالغفار بمواصلة تصوير موضوعات لدراساته الإثنوغرافية بعد مغادرته شبه الجزيرة العربية، واعداً إياه بمردود مالي مقابل صور البورتريه.

أرسل عبدالغفار بين عامي 1303 و1306هـ/1886 و1889م أكثر من 250 صورة إلى سنوك، الذي قام بدوره بتعديلها بشكل مثير للجدل، حيث أزال الخلفيات الأصلية قبل نشرها، والأهم أنه حذف أي نصوص عربية كُتبت عليها، بما في ذلك توقيع عبدالغفار المميَّز «طبيب بمكة، عبدالغفار». وقد جرت العادة في مكة أن يُعرِّف العلماء والخطاطون عن أنفسهم بعبارات متواضعة، وربما أراد عبدالغفار بتوقيعه هذا تأكيد ملكيته لأعماله.

نَسَبَ سنوك الصور إلى نفسه في منشوراته، ولم يذكر اسم عبدالغفار، مكتفياً بالإشارة إلى «طبيب في مكة». واليوم، بدأت مكانة عبدالغفار تحظى بالاعتراف والتقدير باعتباره أول مصوِّر من أهل مكة.