المعهد التركي للمخطوطات

تأسس المعهد التركي للمخطوطات في إسطنبول عام 1432هـ/2011م ليكون كياناً ملحقاً بوزارة الثقافة والسياحة يضطّلع بمسؤولية الإشراف على مكتبات تحتضن بين جنباتها آلاف المجلدات والمخطوطات المنسوخة بعشرات اللغات. يهدف المعهد إلى حفظ هذه المخطوطات النفيسة، وتيسير وصول الباحثين إليها عبر الرقمنة والنشر، إلى جانب تشجيع دراستها في تركيا وعلى الصعيد العالمي. تتضمّن هذه المخطوطات كنوزاً معرفية تعكس عمق التراث الثقافي والفكري لتركيا وللعالم الإسلامي.

تُعتبر المكتبة السليمانية من أبرز المكتبات التابعة للمعهد، وأُنشئت عام 1336هـ/1918م في قلب مُجمَّع السليمانية الذي يعود تاريخه للقرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي وصمّمه المعماري الشهير سنان. يقع مقر المعهد حالياً في المكتبة السليمانية التي تحتضن مجموعات من مدارس السليمانية ومؤسسات أخرى في إسطنبول. كما يُشرف المعهد التركي للمخطوطات على مكتبة نور عثمانية، التي تحتفظ بمجموعة مقتنيات السلطانين محمود الأول وعثمان الثالث من القرن الثاني عشر الهجري/الثامن عشر الميلادي.

تقتني المكتبة السليمانية كنوزاً من مخطوطات تتناول فن العمارة الذي يقوم على مفاهيم القياس الدقيقة والهندسة والعلوم الحسابية. يَعرض «المدار» نماذج من الدراسات والمذكرات المعمارية، تتصدرها نسخة نادرة جداً من مذكرات المعماري سنان (توفي عام 996هـ/1588م)؛ لتكشف عن رؤى آسرة في خبايا العمل المعماري. وتولي هذه المذكرات أهمية خاصة لدور علم الهندسة كدعامة رئيسة في تعليم المعماريين وصقل مهاراتهم.

تشييد مسجد السليمانية، أوراق من مخطوطة “تذكرة البُنيان”، مذكرات المعماري سنان 

تضم هذه المخطوطة مذكرات المعماري سنان (توفي عام 996هـ/1588م)، والذي يُعتبر قامة شغلت منصب كبير معماريي الدولة العثمانية على مدى خمسين عاماً، مشيّداً ما يقارب خمسمائة صرحٍ معماري. وقبيل وفاته، جلس سنان مع صديقه المقرَّب وشاعر البلاط مصطفى ساعي چلبي (توفي عام 1004هـ/1595م)؛ لتوثيق إنجازاته. يسرد النص تفاصيل نشأة سنان وتعليمه في رحاب البلاط العثماني، ثم خدمته في الجيش، وأعماله التي أبدعها في خدمة السلاطين العثمانيين، بدءاً من السلطان سليمان الأول (حكم بين عامي 926-974هـ/1520-1566م)، مروراً بسليم الثاني (حكم بين عامي 974-982هـ/1566-1574)، ووصولاً إلى مراد الثالث (حكم بين عامي 982-1003هـ/1574-1595م). وتتخلل نصوص المذكرات أبيات شعرية نظمها الشاعر مصطفى ساعي في مديح سنان ورعاته من السلاطين، وأيضاً في معالمه المعمارية. ويُعتقد أنّ هذه النسخة هي النسخة الشخصية للشاعر مصطفى ساعي.

تستعرض هذه الصفحات كيفية نقل الأعمدة الأربعة المركزية لمسجد السليمانية إلى موقع البناء في إسطنبول، في عملية هندسية معقدة، إذ جُلب أحد الأعمدة من مصر، وآخر من لبنان، والثالث من مستودع للآثار في قصر طوبقابي، والرابع من منطقة كزتاشي في قلب إسطنبول. ومن اللافت أن خريطة من مجموعة الفاتيكان، معروضة أيضاً في «المدار»، تشير إلى أن المصدر المفترض لهذه الأعمدة هو مدينة الأقصر المصرية، وتسرد تفاصيل الرحلة الشاقة التي قطعتها حتى بلغت إسطنبول.

إسطنبول، تركيا، 983هـ/1575-1576م
ورق، حبر أسود وأحمر، 21.3 × 15.6 سم
المعهد التركي للمخطوطات، المكتبة السليمانية للمخطوطات، حاجي محمود أفندي 4911