المعهد الوطني للتراث

المعهد الوطني للتراث هو مؤسسة علميّة وطنيّة انطلقت سنة 1377هـ/1957م، تحت مسمّى المعهد القومي للآثار والفنون، التابع لوزارة الشؤون الثقافيّة. يقع مقرّ المعهد البَهْنَسي وتشمل جهوده إدارة أكثر من ثلاثين متحفاً عاماً، بما في ذلك: المتحف الوطني بباردو، والمتحف الوطني بقرطاج، والمتحف الوطني للفنون الإسلامية برقّادة، القيروان.

يرتبط المعهد بعلاقات تبادل وتعاون مع منظمات وهيئات دوليّة مختصّة أو مهتمّة بالتراث، مثل: منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلم والثقافة، والمجلس الدولي للمتاحف، والمجلس الدولي للمعالم والمواقع، والمركز الدولي لدراسة صون وترميم الممتلكات الثقافيّة، ومنظمات دوليّة أخرى. وقد أُنجز في إطار هذا التعاون العديد من المشاريع، مثل: الحملة الدوليّة لصيانة مدينة قرطاج، وبرنامج صيانة جامع القيروان الكبير، وبرنامج صيانة المجموعات المتحفيّة التقليديّة، وبرنامج توثيق المجموعات المتحفيّة الأفريقيّة، ودورة تونس لتكوين المهندسين المعماريين المختصين في التراث.

يعود المعهد الوطني للتراث إلى «المدار»، بعرضٍ يبرز الإسهامات الهامة للمرأة المسلمة في الأعمال الخيرية في تونس، بما في ذلك: مصحف تم التكليف بنسخه في عهد الدولة الأغلبية، ومصاحف ملكية من عهد الدولة الزيرية، ووقف ملكي لبئر وسبيل ماء من القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي. بالإضافة إلى ذلك، يسلِّط شاهدا ضريح شقيقتي العلّامة ابن خلدون من القرن الثامن الهجري/الرابع عشر الميلادي الضوء على تاريخ النساء المثقّفات في المجتمع التونسي.

صفحتان من “مصحف الحاضنة” (سورة الأعراف، الآيتان 72 و73)

يُعتبر “مصحف الحاضنة” من أبهى نفائس المخطوطات القرآنية في القرن الخامس الهجري/الحادي عشر الميلادي، إذ تميّز بتنسيقٍ عمودي، متّبعاً بذلك النمط البغدادي الذي كان سائداً في تلك الفترة، خلافاً لتنسيق المصاحف الزيرية السابقة ذات التنسيق الأفقي الأقدم. وقد تم تزيين هذا المصحف بأسلوب مبتكَر، إذ استندت الزخرفة الخطية الفريدة إلى الخط العباسي على الطراز الجديد، والذي استُخدمت فيه ضربات الفرشاة وصُقل لاحقاً بقلم القصب. كان هذا مشروعاً طموحاً بشكل لافت؛ نظراً إلى حجم أوراق الرَّقّ وعددها، إذ يتألّف من ستين مجلداً، يشمل كل منها حزباً محزَّماً بالجلد وملفوفاً بالحرير، ومحفوظاً في صناديق خشبية مُعَدّة خصيصاً لتلك الغاية. جاء نسخ المصحف بتكليفٍ من امرأة وهي فاطمة، حاضنة الحاكم الزيري الراحل باديس، وتحت إشراف امرأة أخرى، يُرجَّح أنها كانت مولاةً (جارية)، تُدعى دُرّة الكاتبة، والتي وصلنا تدوينها الذي يصف المشروع. وهي تنسب المخطوطة، في نسخها وتجليدها وتشكيلها وتذهيبها، إلى الخطّاط علي بن أحمد الورّاق. ويَظهر جليّاً من خلال العدد الكبير من الأوراق – ما يقارب الألفيْ ورقة المحفوظة في تونس، و1200 ورقة أخرى مبعثرة أو مفقودة – أنه استفاد من دعم ومشاركة عدد من النسّاخين، حيث أظهرت الدراسات وجود أيادٍ مختلفة شاركت في هذا العمل.

وقد مثَّل “مصحف الحاضنة” مصدر إلهام لعدد من الأوقاف التي تخصّ المصاحف في البلاط الزيري خلال العقود اللاحقة. فقد أمر الحاكم المعز بن باديس (الذي حكم بين عامي 406-454هـ/1016-1062م) بتحبيس مصحف وفقاً للتنسيق العباسي الأفقي الأقدم، وحذا حَذوه نساء معدودات من الأسرة الحاكمة، ومع ذلك، لم يضاهِ أيٌّ من هذه المصاحف روعة وإبداع “مصحف الحاضنة”.

القيروان، تونس
410هـ/1020م، الخط العباسي على الطراز الجديد
نسخ وزخرفة وتجليد: علي بن أحمد الورّاق
كُلّفت بتحبيسه: فاطمة الحاضنة على المكتبة القديمة لمسجد عقبة بن نافع
القيروان، تونس
رَقّ مع حبر بنّي وذهب على رَقّ، 45 × 30 سم
المخبر الوطني لصيانة وترميم المخطوطات، رقّادة، القيروان، تونس، 18-06-07-14
المعهد الوطني للتراث