كم نبعد عن مكة المكرمة؟
قد تبدو هذه الآلة الأنيقة شبيهة بالأسطرلاب، لكنها ليست خريطة للسماء، بل للعالم، وتَعرض مخطّطاً للأرض لا يَظهر في أي خريطة عُرِفت قبل القرن الرابع عشر الهجري/العشرين الميلادي.
لا تشمل هذه الخريطةُ اليابسةَ والبحارَ كما في الخرائط التقليدية، بل تجسِّد كروية الأرض عبر شبكة رياضية منحنية لخطوط الطول والعرض، مستنِدةً إلى علوم المسلمين، حيث تُعزى الحسابات التي شكَّلت هذه الشبكة إلى جداول الزيج التي وُضعت في العالم الإسلامي منذ القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي، وربما قبل ذلك.
صُنعت هذه الخريطة للمسلمين، حيث تتوسّطها مكة المكرمة؛ لتكون مركز دوران قاعدة نحاسية تمتدّ على قُطرها. وتضم الشبكة 149 مدينة، من قرطبة غرباً إلى خان بالق (بكين حالياً) شرقاً، ممثَّلة بنقاط صغيرة محفورة، مع أسماء المدن منقوشةً في مربَّعات الشبكة. ومع أن الخريطة تَعرِض المواقع النسبية للمدن، فإنها تكشف أيضاً عن ارتباط كلٍّ منها بمكة من حيث الاتجاه والمسافة بالفراسخ، بينما تشير نهايتها إلى اتجاه القبلة بالدرجات المنقوشة حول الشبكة. ولتحديد القبلة؛ كانت الخريطة المعدنية تنطوي في السابق على بوصلة مغناطيسية داخل تجويف دائري، بالإضافة إلى مزولة نحاسية (مفقودة حاليّاً)؛ لتحديد أوقات الصلاة.
يجمع هذا الابتكار الفريد بين وضوح الفكرة وسهولة الاستعمال، ومن المدهش أنه لا يُعرف سوى نموذج واحد آخر منه. وتكمن عبقريته في تقديمه حلّاً شاملاً لمسألة تحديد اتجاه القبلة، مع مواءمة علم الجغرافيا للاحتياجات العملية في الإسلام.
خريطة مركزها مكة المكرمة
إيران
أواخر القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي
نحاس، السماكة، 2 سم، القُطر: 22.5
دار الآثار الإسلامية، مجموعة الصباح، الكويت،
LNS 1106 M