متحف كالوست غولبنكيان

كان كالوست سركيس غولبنكيان (1285-1374هـ/1869-1955م) رجل أعمالٍ أرمنياً، ومقتنياً للأعمال الفنية، ومحسناً. وُلد في إسطنبول وتلقى تعليمه في أوروبا، وقضى معظم سنوات حياته بين لندن وباريس، قبل أن يستقرّ في لشبونة عام 1361هـ/1942م. وقد أتاحت له مسيرته الرائدة في صناعة البترول قدرات مالية مكّنتْه من الاستثمار في اقتناء التحف الفنية. جمع غولبنكيان بين أوائل وسبعينيات القرن الرابع عشر الهجري/أواخر القرن التاسع عشر وخمسينيات القرن العشرين الميلاديين مجموعة استثنائية تناهز 6 آلاف تحفة من أوروبا وآسيا، تمتدّ من العصور القديمة حتى مطلع القرن العشرين. وعقب وفاته، أصبحت هذه المجموعة جزءاً من مؤسسة خيرية تحمل اسمه، وشهد عام 1388هـ/1969م افتتاح متحف في لشبونة يصون هذا الإرث.
كان غولبنكيان يعُدّ نفسه “جامع أعمال فنية شرقية”؛ حيث اقتنى زهاء 750 عملاً من الفنون الإسلامية خلال حياته. ورغم أن مجموعته تتميّز بجودة فريدة ورفيعة، فإنها لا تندرج ضمن المجموعات الموسوعية الشاملة لمختلف أشكال الفنون الإسلامية، حيث فضّل غولبنكيان الألوان الزاهية والزخارف النباتية الطبيعية، كما تضمّ مجموعته نفائس عدة؛ مثل: الزجاج المملوكي المطليّ بالمينا، وفنون الكتب الصفوية، والسجّاد والمنسوجات، والخزف والبلاط الإزنيقي العثماني.
يقع متحف غولبنكيان وسط أحد المتنزهات في قلب لشبونة، ويُعدّ أحد أبرز معالم العمارة الحديثة. يقع المتحف قرب المسجد المركزي في لشبونة، وقد ألهم قربه من المجتمع المسلم إطلاق مبادرات متنوّعة منذ عام 1441هـ/2019م تهدف إلى تقديم رؤى جديدة لمجموعة الفنون الإسلامية وطرح مقارَبات معاصرة، ومنها مبادرة “قوة الكلمة”. يشارك متحف غولبنكيان في “المدار” بمعرضه الأحدث “دوائر المعرفة”، الذي يتمحور حول مخطوطة “تحفة الخاقان” (هدية الإمبراطور) النادرة والمكتشَفة حديثاً، بالإضافة إلى مجموعة من الخزفيات المزيَّنة بنقوش دائرية.

«دوائر العلوم وجداول الرقوم»

اكتُشفت مؤخراً في متحف غولبنكيان مخطوطة “تحفة الخاقان: دوائر العلوم وجداول الرقوم”، التي نُسخت في إيران أو العراق حوالي عام 1214هـ/1800م. تتألف هذه المخطوطة من 90 صفحة، تضم 69 مخططاً دائرياً و38 جدولاً. وعلى الرغم مما أصابها من أضرار جرّاء فيضانٍ عام 1386هـ/1967م، فإنها تُعدّ من أروع النسخ الثماني المعروفة لهذا العمل، إذ توجد نسخة أخرى محفوظة في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض.
وُلد مؤلّف كتاب “تحفة الخاقان”، ميرزا محمد الأخباري، في لكهنو بالهند في مطلع القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، لعائلة فارسية الأصل. وانتقل لاحقاً إلى منطقة الكاظمية قرب بغداد، حيث ألّف الكتاب الذي يحتوي على مخططات دائرية وجداول تستمدّ من علوم متعددة؛ مثل: الكونيات وعلم الفلك والحديث النبوي وأصول العقيدة الإسلامية والأخلاق وعلم النفس والتاريخ والجغرافيا.

كان يُنظر إلى الدائرة باعتبارها الشكل الهندسي الأمثل، فاختار ميرزا محمد أن يصوغ معلومات كتابه على هيئة دوائر؛ في محاولة منه لتسهيل فهمها. وتتناغم الأنماط الدائرية مع التصورات السائدة منذ القِدم عن كون الأرض والكواكب تتحرّك في مسارات دائرية. وكل مخطط دائري في هذه المخطوطة هو بمثابة أحجية تستدعي التأمل لفكّ رموزها.

بدء الخلق، «تحفة الخاقان» لميرزا محمد الأخباري
إيران أو العراق، حوالي 1214هـ/1800م
حبر أسود وذهب وفضة وألوان مائية كتيمة على ورق، 35 × 48 سم
متحف كالوست غولبنكيان، LA256، الصفحة 2 (الوجه الخلفي)، الصفحة 3 (الوجه الأمامي)