يُعَدّ معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية-تمبكتو من أعرق المؤسسات المَعْنيّة بحفظ التراث في غرب أفريقيا، حيث يُكرِّس جهوده لصون التراث الثقافي الأفريقي والإسلامي والنهوض بالبحث العلمي. وقد سُمِّي المعهد تيمُّناً بالعلّامة الكبير أحمد بابا (963-1036هـ/1556-1627م)، وأُسِّس برعاية حكومة مالي عام 1392هـ/1973م، ويقتني حاليّاً حوالي 43 ألف مخطوطة تاريخية من مختلف أنحاء مالي والدول المجاورة، مثل موريتانيا، والسنغال، وغينيا، والنيجر، والجزائر. ولضمان وصول هذه المخطوطات إلى العالم؛ أُطلقت مبادرات رقمنة عام 1424هـ/2003م، إلا أنها توقّفت مؤقّتاً خلال أزمة شمال مالي عام 1433هـ/2012م، حيث نُقلت المخطوطات إلى باماكو؛ حفاظاً على سلامتها.

كانت تمبكتو مركزاً حيويّاً للتجارة والفكر في غرب أفريقيا بين القرنين السادس والحادي عشر الهجريين/الثالث عشر والسابع عشر الميلاديين. وكانت الكتب تُستورَد من شمال أفريقيا ومناطق أخرى، فيما قدَّم العلماء المحلّيون مؤلفات في مجالات متعدّدة كالطب والفلك والرياضيات والفقه وسائر علوم الشريعة الإسلامية. يلتزم معهد أحمد بابا بالحفاظ على هذا الإرث الثمين من خلال جمع وحفظ المخطوطات التاريخية، فضلاً عن إجراء البحوث العلمية وتقديم الدعم المالي والفني للباحثين والطلاب. كما ينظِّم المعهد ندوات ومؤتمرات ومحاضرات علمية، ويقدِّم تدريبات متخصّصة في مجال التراث الثقافي، وبرامج أكاديمية متقدِّمة في الدراسات الإسلامية والأفريقية، بالإضافة إلى نشر الكتب والمجلّات العلمية.
وبعد مشاركته في النسخة الافتتاحية لبينالي الفنون الإسلامية، يعود معهد أحمد بابا إلى «المدار»، مقدِّماً في هذه النسخة مخطوطات نادرة من دولة مالي، تتناول موضوعات علم الفلك والنجوم.
منظومة في ترحيل الشمس لأحمد بابا بن أحمد التكروري التنمبكتي
يُعَدّ أحمد بابا من أعلام العلم والمعرفة في تمبكتو، حيث تلقّى تعليمه الأوّلي على يد والده وعمه، فحفظ القرآن وجوّده، ثم تبحّر في الفقه وسائر علوم الشريعة الإسلامية. وتأثّر بشكلٍ خاص بالعالم الكبير محمد باغايوغو الونغري (929-930هـ/ 1523-1593م). وعندما بلغ الثلاثين، أصبح من أهم علماء تمبكتو وأوسعهم علماً. وكان مفكرّاً متفرّداً وأديباً بارعاً، أبدع في الفقه والحديث والنحو العربي، واشتهر بكتابه العظيم في طبقات علماء المذهب المالكي “نيل الابتهاج بتطريز الديباج”. تناول أحمد بابا في بعض مؤلفاته قضايا العرقية والعنصرية في سياق العبودية، حيث ساهمت آراؤه الإصلاحية في معالجة انتشار ممارسات العبودية وتجارة الرقيق في غرب أفريقيا، والدفاع عن حرّية الأفراد على ضوء تشوّف الشريعة الإسلامية إلى تحرير العبيد. وتُعرَض هنا صفحة من المخطوطة التي تتناول إيضاح حركة الشمس عبر السماء خلال فصول السنة ومواقعها المتغيّرة وخصائصها عبر العام.
أحمد بابا بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيات السوداني التُّكْروري التُّمْبُكْتي (963-1036هـ/1556-1627م)
غرب أفريقيا، أواخر القرن العاشر – مطلع القرن الحادي عشر الهجريين/أواخر القرن السادس عشر – مطلع القرن السابع عشر الميلاديين
حبر على ورق، 17 × 11 سم
معهد أحمد بابا للدراسات العليا والبحوث الإسلامية-تمبكتو، MS 8699.