مخطوط مقدّس

لطالما كُتبت نسخ من مخطوطات المصحف الشريف بأحجامٍ متنوعة، تراوحت بين اللطيفة والضخمة، إلا أن القليل منها وصل إلى حجم هذه النسخة الاستثنائية، التي نُسخت في الهند لتوقَف على المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة. تميّزت هذه النسخة بورق خاص بحجم كبير وغلاف مرصّع بالجواهر؛ مما جعلها تحفة باهظة الثمن. ومع ذلك، يبقى اسم الواقف مجهولاً حتى الآن. من المؤكد أن البحث المستقبلي قد يكشف عن هوية هذا الواقف الكريم والظروف التي قُدّمت فيها هذه النسخة الفريدة، والتي تُعَدّ واحدة من أروع نماذج الفن الإسلامي في العالم.

تُعَدّ هذه النسخة الكبيرة جزءاً من تقليد نبيل لإهداءات قدّمها رعاة من جنوب آسيا لمكة المكرمة والمدينة المنورة، ومن بين الأمثلة البارزة الأخرى المعروضة في جناح «البداية» الدرج الكبير (المَدْرَج).

رغم أن أصول هذه النسخة غير معروفة بدقّة، فإن المؤرخ أيوب صبري باشا (توفي عام 1308هـ/1890م) ذكر أنها أُرسلت من الهند إلى المسجد النبوي، وتم تركيبها حوالي عام 1250هـ/1834-1835م. وهي وكانت مثبتة على كرسي (حامِل) مصحف مصمَّم خصيصاً لها ومزوّد بقفل، بالقرب من مدخل باب السلام في المسجد. وخلال ترميم المسجد النبوي الذي بدأ عام 1273هـ/1857م، نُقل هذا المصحف إلى خزينة المسجد. وقد جُدِّد غلافه في عام 1302هـ/1884-1885م على يد الحاج يوسف بن الحاج معصوم نَمَنْكاني، وهو من العلماء المتبحِّرين في عالم الكتب والمخطوطات، واستقرّ في المدينة المنورة قادماً من مدينة نَمَنْكان في أوزبكستان.

نُسخ النص بخط النسخ بالحبر الأسود، مع ترجمات فارسية بخط النستعليق الأحمر بين سطور المصحف. وعلى الرغم من أن الغلاف الأصلي لم يعد متصلاً بالمصحف، إلا أنه كان مصنوعاً من الجلد المذهّب، ومزيّناً بالياقوت والزمرد والفيروز والزبرجد.

يحمل المصحف توقيع الخطاط غلام محيي الدين، الذي اشتهر بصلاحه وعادته في توزيع أجزاء من المصحف على الفقراء مكتوبة بخط اليد. كان يقيم في رامبور بشمال الهند وتوفي عام 1293هـ/1876م. وتشير الزخارف الدقيقة لهذه النسخة إلى أن منشأه قد يكون من شمال الهند؛ مما يُرجِّح أن تكون من أعمال هذا الخطاط.